الحُسْنُ لا يُباعُ .. ولا يُشترى
مشى في صحراءِ التِيهِ يُنادِي
وبريقُ العمرِ قد خَبا
مَضَى كالبرقِ كأنهُ صوتَ الريحِ
والذكرى جِياداً إمتطَى
أجابهُ السَرابُ مبتعدا كلما نحو
السرابَ سارعَ الخُطى
وأجَابَهُ صوتُه المرتدُ حزينا
نائِحاً .. رَجعاً في الصَدَى
بُحَ الصوتُ .. ظَلّ يَنقُرُ داخِلهُ
.. لَعَلّهُ يُغالِبُ الصَمْتَ ..
والشُعاعُ في الافُقِ البَعيدِ
واهِناً .. حَزِيناً .. إنزَوَى
يا مَنْ يغالبُ الضَعفَ ..
وإرتعاش الكَف
يبحثُ عن سِحرٍ وساحِرا
يأخذ الوَهَن عَنهُ .. ويُعيدهُ شباباً
كما الوَرد .. في آذارِ مُزهِرا
ويبحثُ عن الرحيقِ والزهرِ ..
بَعض الجَبرِ للكسرِ
وظِلِ عُودٍ رائعٍ ممدودٍ
في الوِهادِ أسمَرا
ومَعسُولُ الحديثِ من ثغرهِ
الضياءَ مَرةً قد جَرَى
فأخضرتْ صَحراءُ السنينِ
بالكلامِ جارياً أنهُرا
فَوَلَى راسبُ المِلحِ والظَمأُ ..
بعد أن يكون .. ذاك المفتون..
من جمالِك الوَضِيء عِشقاً
وبخوراً ارتوى
وعَاد وهجُ السنينِ وشدةِ الحنينِ
نسيماً .. يتمايل طرباً .. دلالاً مُتعثُرا
لَو تَدرِي .. يا تَوأمَ العُمْرِ
أن العُمْرَ بَعدك .. صَارَ أغبرا
لا تُقلْ .. وكيف لي أَنْ أدري
حديث الدلالِ .. باسِماً هزرا
أسألَ الأطيارَ والسُمارَ وآذارَ
ضاحِكاً .. بِحُلُلِهِ أزهرا
أسألَ الأنوارَ والاشجارَ والنُوارَ
وعالي تلك الذُرَى
تُحدِثك عن الفتَى مِلء
السَمْعِ والبصرِ أَسَداً للشَرَى
لا أحَسَبَكَ الذّهَانَ .. يمشى ..
الى أينَ .. لادَرَى
محفوفُ العينينِ بالهواجسِ
والمخاطرِ في الوَرَى
وجَمَالُكَ المَغْمُوسَ في
الطُهْرِ لِمَصانعِ التجميلِ
وللسانِ حالِهم المَرئِي ..
الصَدِئي .. عَنيداً إنْبَرَى
جَمَالُكَ الفَتّانُ .. الريحانُ ..
الجِنانُ .. الرَيّعَانُ
في صَمْتِهِ الرَنّان للسَمْعِ
لَحْنَاًً عَذْبَاً أمْطَرَا
تَسَمَرتْ العُيونُ تحيةً للحُسْنِ
وَجْهاً في النِفِوسِ مُؤثِرَا
وللحديثِ لِساناً وشفتينِ جاءَ
عَاصِفاً .. ورقيقاً في آنٍ مُقطرا
رائعَ العينينِ جَمالَكَ الأخاذِ للفؤادِ
حُباً قد مَلَك وعَمِيقاً غَوَرَا
نادى بأعلَى الصوتِ
يا مَنْ تُقَدِمُونَ بَطيئاً الموتَ ..
إنحِلالَ الخُلقِ .. مُطَهرا
يا من جَعَلتُم الحُسْنَ تِجارةً اسيراً
سجيناً مكتوفاً مجنزرا
الحُسْنُ لا تجارتُهُ بريئاً عفيفاً
يقيناً في النفوس تَجَزرَا
نادَى والصوتُ ضوءٌ أحمرا
قفوا مكانكم .. دكوا قلاعكم ..
قاعاتكم .. تقليعاتكم ..
فالحُسنُ لا يُباع ولا يُشترى
والأصلُ في الحسنِ بريقٌ
ومضٌ سُموٌ
متى كان الومضُ
في السماءِ يُباعُ ويُشترَى



