الدوبيت ..
ضرب شعري غنائي أشتهر به سكان المناطق الرعوية في السودان، وله أسماء أُخر في العالم العربي مثل الزجل والمواليا، أصله كلمة فارسية مكونة من شطرين أولهما (دو) ويعني اثنين، والمعنى واضح وهو الشعر ثنائي الأبيات.
حيث يتكون الدوبيت من قصيدة غنائية طويلة مكونة من مقاطع صغيرة تتألف من بيتين
من الشعر بذات القافية مع اشتراط انتهاء الشطر الأول لكل منهما بنفس القافية التي ينتهي
بها البيت، وهذا ما يجعل المقطع الواحد من الدوبيت مكون من أربعة أجزاء صغيرة م
وحدة القافية مثاله ..
الناس العلي الساحر بشقّوا الصيّ
أمسوا الليلة فوق راياً نجيض ما نيّ
ناس أب ترمة جاموس النحاس أب ديّ
عقدوا الشورة ميعادهم جبال كربيّ
وهناك حالات يكون فيها المقطع ثلاثياً أو خماسياً وفي حالات نادرة يكون سداسياً،
ويشتهر بهذا النوع سكان بوادي السودان الغربية في كردفان ودارفور، وفي بعض المناطق
من أواسط السودان الغربية المتاخمة لكردفان، كما أن أغلب شعر (الحكّامات) بغرب السودان
ينتمي لهذا الدوبيت الثلاثي، ومثاله من غرب السودان هذا المقطع الجميل الذي يُمدحُ به
لعرسان ليلة عرسهم وتغنيه لهم بنات الفريق ..
سقتا النَّم علي الجاغوس
الشجرة الظليلة الما نقرها السوس
في راسها النمر وفي ظلها الجاموس
ورغم أن الدوبيت متجذر في وجدان القصيدة السودانية الدارجة، ويشكل الضرب الأوفر حظاً من
الانتشار والتداول لسهولة حفظه وجمال معانيه وارتباطه بحياة البداوة الفطرية التي يحن إليها كثير
من الناس الذين شغلتهم حياة المدن والحواضر عن الاستمتاع بجمال تلك الحياة، إلا أن شكل قصيدة
الدوبيت كما هي في السودان لا تنتمي حقيقة إلى الدوبيت بمعناه في العالم العربي.
حيث الدوبيت هو
أحد فنون الشعر المعربّة والخارجة عن أوزان الشعر العربي الخمسة عشر
وللدوبيت خمسة أنواع
جميعها لا تطابق الدوبيت الذي نعرفه في السودان وأقربها إلى الدوبيت السوداني هو النوع المسمى (الرباعي الخالص) وإن كان يختلف عنه اختلافاً طفيفاً، ويتفق معه في كثير من النواحي الأخرى، حيث يتفق معه في وحدة القافية في المقاطع الأربعة، ويختلف معه في وجوب أن يكون هناك جِناسٌ بين قافيتي المقطعين الأولين، وجناسٌ بين القافيتين الأخيرتين.
وبذا يختلف عن الدوبيت السوداني الذي لا يشترط سوى وحدة القافية في جميع المقاطع.
أما بقية أنواع الدوبيت الأربعة فهي بعيدة كلياً عن فكرة الدوبيت المتعارف عليه في السودان وفي منطقة البُطانة على وجه الخصوص.
ينتمي الدوبيت السوداني
إلى بحر من بحور الشعر (المستحدثة)، وهو البحر المسمى بحر (المواليا)، الذي هو فنٌ (مستحدث) قيل أنه أستخدم أول مرة لرثاء الوزراء البرامكة حين نكبتهم على يد الخليفة العباسي، وهذا النوع من الشعر مطابق تماماً لما نسميه نحن في السودان (الدوبيت)، حيث لا يشترط هذا الضرب من الشعر سوى اتفاق القافية الأخيرة من كل جزء من الأجزاء الأربعة أو الثلاثة من مقطع الدوبيت، وربما أتى الخلط بين المواليا والدوبيت – في اعتقادي - لعلاقة المواليا بالفرس البرامكة.
ويعتقد الكتّاب والمؤرخون أن المواليا ضرب من الشعر المستحدث والذي لم يجري على
ألسنة العرب في الجاهلية، حيث أن المقياس هو بحور الخليل بن احمد، ولكن ربما أغفل
الخليل بن أحمد هذا الضرب من الشعر ولم يرد مطلقاً في بحور شعره الخمسة عشر، أقول أغفله لأن هذا النوع من الشعر ينتمي إلى الشعر الجاهلي.
وأخص الثلاثي منه بالذكر، وربما أغفله الخليل غير عامد لأن استخدامه لم يكن كثيراً،
لذا ومن باب إحقاق الحق ينبغي أن يعترف بالمواليا كأحد بحور الشعر الرسمية المعتمدة.
ودليل على كون المواليا أكثر أصالة من جميع بحور الشعر الأخرى، أن أقدم قصيدة شعر عربي
على الإطلاق { هي قصيدة العنبر بن تميم } والتي كتبت قبل الهجرة النبوية بحوالي مائة وخمسين سنة، وكان قد نظمها لحداء الإبل وهو عائد من منطقة تسمى بهراء في الجزيرة العربية، قال فيها ..
قد رابني من دلوي اضطرابها
والنأي في بهراء واغترابها
إن لم تجيء ملأى يجيء قرابها
ونلاحظ مدى الشبه الشديد بين بناءِ هذه المقطع وبين مقطع قصيدة المواليا وزناً وقافية
و(استخداماً)، ورغم أن هذا المقطع لم يعرف إن كان له بقية من قصيدة أم لا، إلا أنه
حتى وإن لم يكن مقطعاً معزولاً من ثلاثة مقاطع فقط، فهو على الأقل يحاكي تماماً م
ن ناحية الوزن أوزان المواليا الثلاثية الموجودة في غرب السودان.
ورغم أن المقطع السابق من قصيدة العنبر بن تميم قريب الشبه من البحر السابع
من بحور الشعر وهو (بحر الرجز) إلا أن وجود القافية في نهاية كل مقطع ينفي
نتماءه لهذا البحر، حيث أن بحر الرجز لا وجود للقافية في نهاية كل شطر من قصائده.
وقد استخدمت المواليا أو كما تسمى في السودان الدوبيت في مختلف المناسبات والأغراض،
مدحاً ورثاءً وغزلاً وتشبيباً وفخراً وحماسة.
يقول الشاعر العظيم (ود ضحوية) في نقده لظاهرة اجتماعية بدأت في الظهور في وقته، وهي عادة التبطل واللا عمل، وينتقد فيها الولد الشاب الذي لا يسافر (لقطع الطريق) إلى أن ينقضي الشهر
ويهل هلال الشهر الجديد ولا يرد البحر يعطن ويبل (شنانه) في مائه، ولكنه رغم خموله وكسله
حينما تمر الفتيات أمامه فإنه يراهن كالصقر ويمشي أمامهن مشية الغرور والفخر (القدلة)،
ويختمها بوصف هذا الشاب بالخيبة والمذلة ..
ولداً ما سَفَر لمن شهيرُو يهلّ
ما وَرَدَ البَحَر .. عطَّن شنانُو يَبلّ
وكت الشوف .. يشوف متل الصقير يقدل
وا خيبةً علي ولداً يعيش بالذل
ضرب شعري غنائي أشتهر به سكان المناطق الرعوية في السودان، وله أسماء أُخر في العالم العربي مثل الزجل والمواليا، أصله كلمة فارسية مكونة من شطرين أولهما (دو) ويعني اثنين، والمعنى واضح وهو الشعر ثنائي الأبيات.
حيث يتكون الدوبيت من قصيدة غنائية طويلة مكونة من مقاطع صغيرة تتألف من بيتين
من الشعر بذات القافية مع اشتراط انتهاء الشطر الأول لكل منهما بنفس القافية التي ينتهي
بها البيت، وهذا ما يجعل المقطع الواحد من الدوبيت مكون من أربعة أجزاء صغيرة م
وحدة القافية مثاله ..
الناس العلي الساحر بشقّوا الصيّ
أمسوا الليلة فوق راياً نجيض ما نيّ
ناس أب ترمة جاموس النحاس أب ديّ
عقدوا الشورة ميعادهم جبال كربيّ
وهناك حالات يكون فيها المقطع ثلاثياً أو خماسياً وفي حالات نادرة يكون سداسياً،
ويشتهر بهذا النوع سكان بوادي السودان الغربية في كردفان ودارفور، وفي بعض المناطق
من أواسط السودان الغربية المتاخمة لكردفان، كما أن أغلب شعر (الحكّامات) بغرب السودان
ينتمي لهذا الدوبيت الثلاثي، ومثاله من غرب السودان هذا المقطع الجميل الذي يُمدحُ به
لعرسان ليلة عرسهم وتغنيه لهم بنات الفريق ..
سقتا النَّم علي الجاغوس
الشجرة الظليلة الما نقرها السوس
في راسها النمر وفي ظلها الجاموس
ورغم أن الدوبيت متجذر في وجدان القصيدة السودانية الدارجة، ويشكل الضرب الأوفر حظاً من
الانتشار والتداول لسهولة حفظه وجمال معانيه وارتباطه بحياة البداوة الفطرية التي يحن إليها كثير
من الناس الذين شغلتهم حياة المدن والحواضر عن الاستمتاع بجمال تلك الحياة، إلا أن شكل قصيدة
الدوبيت كما هي في السودان لا تنتمي حقيقة إلى الدوبيت بمعناه في العالم العربي.
حيث الدوبيت هو
أحد فنون الشعر المعربّة والخارجة عن أوزان الشعر العربي الخمسة عشر
وللدوبيت خمسة أنواع
جميعها لا تطابق الدوبيت الذي نعرفه في السودان وأقربها إلى الدوبيت السوداني هو النوع المسمى (الرباعي الخالص) وإن كان يختلف عنه اختلافاً طفيفاً، ويتفق معه في كثير من النواحي الأخرى، حيث يتفق معه في وحدة القافية في المقاطع الأربعة، ويختلف معه في وجوب أن يكون هناك جِناسٌ بين قافيتي المقطعين الأولين، وجناسٌ بين القافيتين الأخيرتين.
وبذا يختلف عن الدوبيت السوداني الذي لا يشترط سوى وحدة القافية في جميع المقاطع.
أما بقية أنواع الدوبيت الأربعة فهي بعيدة كلياً عن فكرة الدوبيت المتعارف عليه في السودان وفي منطقة البُطانة على وجه الخصوص.
ينتمي الدوبيت السوداني
إلى بحر من بحور الشعر (المستحدثة)، وهو البحر المسمى بحر (المواليا)، الذي هو فنٌ (مستحدث) قيل أنه أستخدم أول مرة لرثاء الوزراء البرامكة حين نكبتهم على يد الخليفة العباسي، وهذا النوع من الشعر مطابق تماماً لما نسميه نحن في السودان (الدوبيت)، حيث لا يشترط هذا الضرب من الشعر سوى اتفاق القافية الأخيرة من كل جزء من الأجزاء الأربعة أو الثلاثة من مقطع الدوبيت، وربما أتى الخلط بين المواليا والدوبيت – في اعتقادي - لعلاقة المواليا بالفرس البرامكة.
ويعتقد الكتّاب والمؤرخون أن المواليا ضرب من الشعر المستحدث والذي لم يجري على
ألسنة العرب في الجاهلية، حيث أن المقياس هو بحور الخليل بن احمد، ولكن ربما أغفل
الخليل بن أحمد هذا الضرب من الشعر ولم يرد مطلقاً في بحور شعره الخمسة عشر، أقول أغفله لأن هذا النوع من الشعر ينتمي إلى الشعر الجاهلي.
وأخص الثلاثي منه بالذكر، وربما أغفله الخليل غير عامد لأن استخدامه لم يكن كثيراً،
لذا ومن باب إحقاق الحق ينبغي أن يعترف بالمواليا كأحد بحور الشعر الرسمية المعتمدة.
ودليل على كون المواليا أكثر أصالة من جميع بحور الشعر الأخرى، أن أقدم قصيدة شعر عربي
على الإطلاق { هي قصيدة العنبر بن تميم } والتي كتبت قبل الهجرة النبوية بحوالي مائة وخمسين سنة، وكان قد نظمها لحداء الإبل وهو عائد من منطقة تسمى بهراء في الجزيرة العربية، قال فيها ..
قد رابني من دلوي اضطرابها
والنأي في بهراء واغترابها
إن لم تجيء ملأى يجيء قرابها
ونلاحظ مدى الشبه الشديد بين بناءِ هذه المقطع وبين مقطع قصيدة المواليا وزناً وقافية
و(استخداماً)، ورغم أن هذا المقطع لم يعرف إن كان له بقية من قصيدة أم لا، إلا أنه
حتى وإن لم يكن مقطعاً معزولاً من ثلاثة مقاطع فقط، فهو على الأقل يحاكي تماماً م
ن ناحية الوزن أوزان المواليا الثلاثية الموجودة في غرب السودان.
ورغم أن المقطع السابق من قصيدة العنبر بن تميم قريب الشبه من البحر السابع
من بحور الشعر وهو (بحر الرجز) إلا أن وجود القافية في نهاية كل مقطع ينفي
نتماءه لهذا البحر، حيث أن بحر الرجز لا وجود للقافية في نهاية كل شطر من قصائده.
وقد استخدمت المواليا أو كما تسمى في السودان الدوبيت في مختلف المناسبات والأغراض،
مدحاً ورثاءً وغزلاً وتشبيباً وفخراً وحماسة.
يقول الشاعر العظيم (ود ضحوية) في نقده لظاهرة اجتماعية بدأت في الظهور في وقته، وهي عادة التبطل واللا عمل، وينتقد فيها الولد الشاب الذي لا يسافر (لقطع الطريق) إلى أن ينقضي الشهر
ويهل هلال الشهر الجديد ولا يرد البحر يعطن ويبل (شنانه) في مائه، ولكنه رغم خموله وكسله
حينما تمر الفتيات أمامه فإنه يراهن كالصقر ويمشي أمامهن مشية الغرور والفخر (القدلة)،
ويختمها بوصف هذا الشاب بالخيبة والمذلة ..
ولداً ما سَفَر لمن شهيرُو يهلّ
ما وَرَدَ البَحَر .. عطَّن شنانُو يَبلّ
وكت الشوف .. يشوف متل الصقير يقدل
وا خيبةً علي ولداً يعيش بالذل
تعليق