شعراء المسادير.. و..البيئة

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ضى القمر
    :: الاشراف والتنظيم ::

    • Jun 2010
    • 4263

    #1

    شعراء المسادير.. و..البيئة


    اعداد: بابكر محمود النور

    مقدمة :-

    مراجعة إصدارات لقامات من المهتمين بدراسة التراث السوداني ، وأخص منها :- د.عبد المجيد عابدين والمبارك إبراهيم في (الحاردلو شاعر البطانة ) ، د.إبراهيم الحاردلو في ديوان
    (ديوان الحاردلو) و سفر د.سيد حامد حريز شامل القيمة وكامل الدسم (فن المسدار)
    وآخر الإصدارات للبروفسور أحمد إبراهيم أبو سن
    (الذي بدأ الخطوة الأولي المحايدة في كتابه)
    (تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة) إذ لفت النظر إلي الشعراء دون الإلتفات إلي قبائلهم ومكانهم من الشعر و الناس) .

    وأخص في هذه المقدمة الأستاذ ميرغني محمد ديشاب لا في بحثه التكميلي لنيل درجة الماجستير (الظواهر اللغوية في لهجة الشكرية) بل في الإنجاز الكبير الذي شارك في تحقيقه مع الراحل الأستاذ الطاهر عبد الكريم عبر (شعبة جمع التراث الشعبي) بإدارة الثقافة و الإعلام الإقليم الشرقي عام 1979م حيث قاما بجمع وتوثيق وتحقيق عدد من الدواوين لشعراء من البطانة ،حيث حقق الراحل الأستاذ الطاهر ديواني الشاعرين أحمد عوض الكريم أبو سن و الصادق حمد الحلال الشهير
    بـ(أبو آمنة) وحقق الأستاذ ديشاب ديواني الشاعرين تقلي محمد زين اللحوي و رانفي محمد رانفي الشهير بـ (ود رانفي) .

    يقول الأستاذ ميرغني محمد ديشاب (وقد سلمت الدواوين الأربعة المحققة للجهات المختصة حينذاك وكنا نعرف تماماً أن الشاعرين أحمد عوض الكريم أبو سن و الصادق ود آمنة وهما من تلاميذ الشاعر الكبير(ود سميري ) يعدان من أميز شاعرين في البطانة حين ذاك ويمثلان قوة شعرية لم تتح لغيرهما في عصرنا الحديث ) والحق أن ذلك العمل كما شهد له الكثيرون من مَنْ عرفوه .
    قد كان مقدمة لا بد منها لعمل كبير سيأتي سواء علي أيدينا أو علي يد غيرنا .
    إلا أننا فوجئنا باختفاء دواوين الشعراء أحمد عوض الكريم أبوسن و الصادق ود آمنة وود رانفي وكلهم من الشكرية.

    إن الأمر (الحديث للأستاذ ديشاب) (كان ومازال جناية، جناية طامسة لحقائق أدبية كانت علي وشك الظهور ومعالم جديدة في الفن الشعري في البطانة) .




    لِن أغيّــر مَــن نفسـِـي
    لأجٍـل أي شخـِص
    ولـن أعبِــث بشخِصيتـي لآرضّي الاخريـِن
    أنَ لِـم تعِجبـك شخصيتـي!!
    ليِست مشكّلتــي فغـِــيرك يعشقهــَــا..

  • ضى القمر
    :: الاشراف والتنظيم ::

    • Jun 2010
    • 4263

    #2
    شعراء المسادير.. و..البيئة * 1 *

    الحلقة الأولي

    (1)

    إنه مدخل لهذا الفن الضامر المساحة والانتشار من ناحية ، والتحريض المشروع لكي يجد شعر المسدار استقبالاً و تذوقاً واهتماماً بين السواد الأعظم .

    فشعر البطانة كما يقول الأستاذ ميرغني محمد ديشاب عامة والمسادير بصفة خاصة (تتسم بسمات البيئة ومن أكثر المقولات التصاقاً بها وتعبيراً عنها) ومن ناحية أخري (يمكن أن نعتبر المسدار وثيقة هامة تبرز شتي العناصر الثقافية وتفيد كثيراً في دراسة وتاريخ الأدب السوداني وفي التغيرات الاجتماعية المختلفة التي تطرأ علي البيئة السودانية فهناك العديد من الجوانب التي تتعلق بقيمة
    المسدار كنص حضاري) حسب ما قاله د. سيد حامد حريز :

    ويتسم شعر البطانة في طرحه لمفاهيم الجماعة ، ذات الملامح المشتركة والبيئة المشتركة والشاعر يجاهد ليفسر ما حوله ويخدم البيئة بهذه التفسيرات التي من شأنها (تركيز إمكان قيادة المتلقي مباشرة) .

    ويشير (ديشاب) (الشاعر في بيئة البطانة وهو في وضع تفسير ما حوله يعمل إلي اكتساب قدرات تسع مساحة استيعابات العامة وتتجاوزها فمظاهر الطبيعة مثلاً عند العامة برغم بريقها صامته إلي أن يُنطقها الشاعر، فينظر إليها العامة فيما بعد برؤية أكثر) .

    إن حركة الشعر في البطانة ذات وجهين – وجه اجتماعي ، ووجه فني .

    الوجه الاجتماعي :-

    ويتمثل في أن الشاعر له وجود اجتماعي أكثر(لمعاناً) من غيره حيث يمارس (قيادة الملتقي) من خلال هذا اللمعان.

    الوجه الفني :-
    يتمثل في صناعة الشعر نفسه وبما أن الشعر الشعبي عامة يلقي وينشد علي المستمعين فطبيعة الإلقاء والإنشاد ،أملت مقاييس فنية محددة علي هذا النوع من الشعر،ومن بين تلك المقاييس ، الاهتمام بجرس الألفاظ ،والاستعانة به علي رسم الأخيلة والصور المختلفة و في إعطاء هذه الصورة الأبعاد الفنية اللازمة ، فالمستمع للقصيدة ، ينبهر لوقع الأصوات و(طنينها) ويحاول المؤاخاة بين الصوت و الصورة حين تتبعه للقصيدة . مثال : (فوق كرتوت شِخيتيراً تخين خر)
    أعان تكرار الصوت علي تفهم مدي كثافة هذا الشختور(السحاب المزرقن والممطر) وبالتالي مدي كثافة المطر الذي سببه (د. حريز) .

    البيئة الخالقة لمجموعة استيعابات الشاعر ، بيئة تقليدية (رعوية - زراعية) وهو يهتم بها ، ويخلق ذلك الألق الاجتماعي المقترن (باقتناء البهائم) و(الخريف) يشكل عند الشاعر قيمة طبيعية لها أهميتها . ويقول الأستاذ ديشاب في ذلك (ولا أدَلَّ علي ظاهرة الفرح الجهير في الخريف) مما قاله أحد شيوخ العرب في البطانة(ها الخريف وقت يجي ...العربي مرتو تلد...و...بهايمو يلدن...و...كلبتو تلد) .

    وذلك الفرح الجهير نلمحه في قول الحاردلو عن خبر البطانة التي أمطرت وصور لنا فرح الإنسان و الحيوان بالخريف حيث قال :
    الخـبر الأكيـد قالوا البطانة إترشت
    سـارين تبقبق لا الصبـاح ما اتفشت
    هاج فحل أم صـريصر والمنايح بشت
    وبت أم ساق علي حدب الفريق اتعشت




    لِن أغيّــر مَــن نفسـِـي
    لأجٍـل أي شخـِص
    ولـن أعبِــث بشخِصيتـي لآرضّي الاخريـِن
    أنَ لِـم تعِجبـك شخصيتـي!!
    ليِست مشكّلتــي فغـِــيرك يعشقهــَــا..

    تعليق

    • ضى القمر
      :: الاشراف والتنظيم ::

      • Jun 2010
      • 4263

      #3
      شعراء المسادير.. و..البيئة * 2 *

      -2 -

      علي رأس قائمة شعراء المسادير الشاعر محمد أحمد عوض الكريم أبو سن (1890-1916م) وهو الذي اشتهر بالحاردلو وهو لقب مركب كما يقول د.إبراهيم الحاردلو من كلمة (الحار) وكلمة دله بفتح الدال وضم اللام المشددة مع ضمير الملك (الدل) معناها عند الشكرية القيادة ، فيكون المعني :
      أن هذا الرجل وعر المسالك وأن طرقه تورد موارد الخطر والأهوال .

      ومن أشهر أعماله الشعرية (مسدار الصيد) الذي يقع في أربعين رباعية وكما يقول د. إبراهيم الحاردلو عن مسدار الصيد (هي وصف المرأة الجميلة يرمز إليها بالظبية وليس من شك أن الحاردلو قد توسع في هذا الرمز وأرتفع به إلي حد جعل كثير من الناس يظنون أنه وصف للظباء والحياة والطبيعة وليس فيه هذه المعاني الخفية التي جعل لها الشاعر وصف الظباء ذريعة ) .

      يقول الحاردلو :

      خـلاّهِن علـي حَـجَر الصِّفيّة حْبـوسْ
      ولقي في الدهْسريب قمباز وعرق فقوسْ
      فـي المخلوقة شِنْ تشبه معيز أم روسْ
      غـير الـ في وريدن شولقن مرصوصْ
      ترك (التيس قائدهن) الظباء في موقع (حجر الصفية) حبيسات . وذهب يستكشف المنطقة حتى وجد في منطقة (الدهشريب) نبات القمباز وعرق الفقوس . كانت هذه بداية الاستهلال والتي هي نوع من المطالبة بالإنتباه وإعداد الذهن لننظر برؤية أكثر ، ماذا تشبه تلك الظباء في المخلوقات (سوي لابسات الحلي) غير الحسان اللائي يحلين أعناقهن بالشولق هو نوع من الحلي يربط في العنق ويضيف د. إبراهيم (وهو هنا يشبه الخطوط التي في عنق الظبية بهذه الحلي (الشولق) في عنق المرأة الجميلة ) .

      أما (مسدار المطيرق)فهو مطارحة بين الحاردلو وأخيه عبد الله ويقع المسدار في عشرين رباعية بجانب رباعيات لا حصر لها . قدم بعضها أهل الغناء والطرب عبر الراديو والتلفاز منها :
      1/ يا خالق الوجود أنا قلبي كاتم سرو
      ما لقيت من يدرك المعني وبيهو أبرو
      بهمت منصح الوادي المخدر درو
      قعدت قلبي تطويهو وكل ساعة تفرو

      2/الزول الصُبَاهُ فات الكبار والقدرو
      كان شافوه ناس عبد الله كانو يعذروا
      السبب الحماني العيد هناك أحضروا
      درديق الشبيكي الفصلو فوق سدرو

      3/ البـارح أنا وقصبت مـدالق السيـل
      فـي ونسة وبسـط لامن قسمنا الليل
      وقتـين النعـام اشقـلبنبو الخـليـل
      لا جـادت ولابـخلت علـي بالـحيل




      لِن أغيّــر مَــن نفسـِـي
      لأجٍـل أي شخـِص
      ولـن أعبِــث بشخِصيتـي لآرضّي الاخريـِن
      أنَ لِـم تعِجبـك شخصيتـي!!
      ليِست مشكّلتــي فغـِــيرك يعشقهــَــا..

      تعليق

      • ضى القمر
        :: الاشراف والتنظيم ::

        • Jun 2010
        • 4263

        #4
        شعراء المسادير.. و..البيئة * 3 *

        الحلقة الثانية

        (3)
        الراحل أحمد عوض الكريم أبو سن له ست مسادير :-
        1/رفاعة 2/ الصباغ 3/ القضارف 4/ المفازة 5/البقر 6/ مسدار الصيد الذي جاري فيه الحردلو والذي يقول مطلعه :

        سمسم ...وأب سبيك جبل الصعيد عفار
        فيـهو مقيـلات مـعز الخـلا النفـار
        خبيرن يبقي ساقن لـي شواف وقفـار
        ولـه مصيـفهـن سـاليبة الصـفـار

        وفي أخر رباعياته يقول الشاعر :

        أقـول ليـكم كــلام بصــراحتـو
        تمام الكيف بعد مـا قلبي يوجد راحتو
        غناي الكان قبيل الناس بيحكوا سماحتو
        فقد جهلو...وعدم أهلو...العليهم ناحتو
        (4)
        الصادق حمد الحلال أشتهر بـ (ود آمنة) في مدح الشريف إبراهيم يوسف الهندي .
        خليفة يوسف أب نظراً يزيل الـهم
        أجـواداً هميم ود أب عطـاياً خـم
        كفاي للضيوف بعد الخـلوق تنلـم
        بالليل و النهار سكينو تـرعـف دم
        وله العديد من رباعيات الغزل ومن مساديره المنشورة مسدار (قوز رجب) وقد اخترنا رباعية من مسدار قوز رجب تتوفر فيها العلاقة الحميمة بين الشاعر وجمله حيث يخاطب جمله (لا هسع بعيد مشوارك) فسر بعزة وتفاخر (جوط واجوجي) ويطلب الجمل من الشاعر أن برخي (الهسال) قليلاً حتى يتمكن من إنجاز مهمة وصوله إلي ذلك (الأدعج) شديد سواد العين والذي تسبب في كل ما تشكو منه من مرض وهزال وسقم في ذلك يقول الصادق :

        تقـاي المفلـخ شلتو فـي مشوارك
        جوط وإجوجي لا هسع بعيد مشوارك
        قال لي :

        الهسـال كـان ترخي منـو يسارك
        بوريك (أدعج) النقعة الفتق نوسارك

        و الصادق من شعراء الشكرية الذين عبروا عن تخوفهم مما سوف تسببه الهجرة من قري البطانة إلي مشروع حلفا الجديدة الزراعي كما يقول د. حريز:

        اللـيلة الحـواويش جـددن بجـديده
        جـابن عيشة من دنبو ونواحي سعيدة
        فـرقتـني أم سـلام من العقلنا بريدة
        ود الحار عقب ريرة وسكن في عريضة
        حتى (ود الحار) ترك ريرة وسكن في عريضة وود الحار المشار إليه المقصود به الشاعر أحمد عوض الكريم أبو سن الذي تأثرت حياته بالمشروع وصار مزارعاً وسكن (عريضة) وهي قرية داخل المشروع .

        كما يذكر الأستاذ حسن سليمان أن (ود آمنة) يعيب علي أهله الاشتغال بالزراعة في الحواشات وترك حياة البادية وحدث أنه وبعض أفراد قبيلته كانوا أمام مكتب المؤسسة لاستلام حواشاتهم لعدة أيام وبينما هم في هذه الحالة إذ بود آمنة يري منظر المطر وقد همت جهة سدر (الشيخ نعيم) فقال :
        أهلك شالوا فوق ضهر العواتي ونيب
        وسدر الشيخ نعيم نُزلوا المقاموا قريب
        ناساً من ضروع الصهب ضايقة حليب
        للـحواشـة كيـفن نفسـهم بتـطيب
        (5)
        الشاعر العاقب عبد القادر ود موسى يتمتع بثقافة بدوية وله إلمام جيد بأحوال البطانة وأشعار الشكرية و البطاحين ونظم الشعر في الغزل والمدح وله مسداران (ودكوه) و(الضكير) الذي جاء في آخر رباعية منه.

        دخـلت البيت لـقيت ستو المتمم زوكا
        شـفتة المرتبة الحادق مكـوع فـوكا
        بعد ما وجدت سيت ريدي المبوح طوكا
        جيت أستأمـن القـلب المجننو شـوكا

        مما يجدر ذكره أن شعبة أبحاث السودان نشرت في عام 1969م سلسلة دراسات في التراث السوداني لشعراء لم يرد ذكرهم فيما تقدم نذكر منهم :-

        أحمد عوض الكريم حسب ربه الشهير بـ (المحنة) و محمد عمر الشكري الشهير بـ (ود دكين) يوسف ود عب شبيش و محمود ود النمر ونقف قليلاً عند الشاعر أحمد أبو عاقلة الذي يشكل أدب البطانة هماً من اهتماماته اليومية طيلة سنين حياته،ويتفرد الراحل أحمد أبو عاقلة برباعياته ذات القوافي الغير مطروقة . وقد أراد أن يفاجئ صديقه وضيفه الشاعر الصادق حمد الحلال برباعية من قافية الجيم فقال:
        أصْبحْ خلي مغلوب ، غلبي الفي صنج
        مـن فكتـوريا ملكـة سادة الإفـرنج
        سيف أجفانها مصقول هندي ماهو بلنج
        ومسـكر فـاها الذه مـن عصير المنج
        فرد عليه الشاعر الصادق :
        أمسيت خلي مـضروب بي كرابيج عنج
        مـن طـاقة مصـر الحرير مـي قنـج
        جــرحـك عـور وغــور و لنـج
        كـريفك شـفا وعسـله بـراطمك بنج
        (6)
        كما لا يفوتنا ذكر الشعراء علي أحمد الحاردلو – ود سميري – ود يس ومحمد عبد القادر الحاردلو الذي يعد صوتاً شعرياً جديداً كما يقول الأستاذ ديشاب و أنه يشكل امتداداً طبيعياً للجيل السابق المتمثل في الشاعرين أحمد ود الفكي وعطية أب ريش فقد ظل وفياً للغة البطانة في باديتها الملهمة .

        يقول الأستاذ ديشاب عبر تناوله لكتاب بروفسور أحمد إبراهيم أبو سن (تاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة) تبقي الحسنة الكبرى للبروفسور في كتابه ،الترجمة للشاعر علي أحمد الحاردلو،أكبر أبناء الشيخ أحمد الحاردلو،وهي ترجمة كان لا بد منها إذ كنت شخصياً أعجب من حجب شاعر مثله عن الناس وهذا الشاعر كما جاء ت ترجمته (ص 279) تقلد رئاسة خط الشكرية بعد وفاة والده .
        وعاش حياته في البادية والمدن وهو شاعر مجود وإن كان مقلاً يروي عنه مسدار ( خشم القربة ) وبعض الرباعيات المتفرقة ويتميز شعره بالجودة والجزالة وقوة اللفظ . وتوفي عام 1984م بالقضارف .

        وهذه هي الترجمة التي أوردها عنه الكاتب . وإذا جارينا البروفسور في حبه الذي كتب به كتابه فإننا نقولرحمك الله أيها الشاعر الذي لم يكذب في حياته و في شعره قط . لقد كان الشاعر علي أحمد الحاردلو ومازال أصدق شاعر في البطانة علي الإطلاق ).

        أما الشاعر تقلي محمد زين اللحوي بخلاف أنه كان شاعراً مقلاً لم يجد حظه من التناول حتى أشعاره التي تم جمعها وتحقيقها فُقِدت . ولحسن الحظ دَوَنْتُ نقلاً عن المخطوط المحقق بعض رباعياته التي كان معظمها في الغزل .
        جيـدك جيـد ظبياً متطرد حُـزاز
        وروبتك ريش هضاليم الخلا الفزاز
        بـي حشـمة نزاهة طبـعك المتتاز
        فـوقك هيبـة التـاج الملوكو عزاز
        (7)
        المسدار كما أشار د.إبراهيم الحاردلو لفظة أطلقها الرواة علي القصيدة الطويلة سواء كانت هذه القصيدة في وصف الصيد كقصيدة مسدار الصيد.كما تناول د.عبد المجيد عابدين تفسير لفظ مسدار،بمعني الحكاية أو القصة وقد اعترض د.إبراهيم في مقدمة ديوان الحاردلو (أين القصة في مسدار الصيد) .

        والمسدار كما يقول الأستاذ صلاح دهب (مصطلح في ضروب الشعر السوداني ، ابتدعته الشكرية والمجموعات العربية البدوية في بادية البطانة ) ويضيف إضافة هامة (للمسدار أصل في العربية تطور منه المعني والمضمون )في كتاب(محيط الفيروز أبادي ص 366) حيث جاء:

        المسادر هو الذي لا يهتم ولا يبالي ما صنع – أو المتحير وسدر البعير،تحير بصره من شدة الحر وسدر الشعر أسدله . وفي لسان العرب المجلد الرابع( ص354) سدر بصره ، لم يكن يبصر والسدير هو العشب ومورد الماء .

        كما ورد في الوسيط (ص423) في المعاني نفسها الواردة في قاموس المحيط ولسان العرب . ويقول د.سيد أحمد حريز في كتابه (فن المسدار) (المسدار في البطانة يعني المرعي أو المورد الذي تتجه إليه البهائم،فيه الماء و الكلاء وعادة ما تقضي فيه البهائم عدة أيام ثم تقفل راجعة حتى يخلو المجال لغيرها ) .

        ولقد وظف الشاعر عبد الله أبو سن كلمة مسدار في هذا المعني (المرعي أو المورد) في مسداره (سيتيت) .

        عناق الأريل المسـداره جبره
        تـحدثني حـديثاً كـلو عبره
        أنا إن جنيت قط ما ظني ببره
        بلا عناب جناين وادي شبره
        ويضيف د.حريز(المسدار وجمعه مسادير يمثل نوعاً معيناً من القصائد الشعبية التي تسير علي نمط (الرجز الرباعي) وتعني بسرد ومتابعة رحلة الشاعر إلي ديار المحبوبة) وقد وظف الشاعر عبد الله أبو سن كلمة مسدار بمعني (قصيدة) في مسدار سيتيت أيضاً:-
        بـكان نوخ كـرف ريـحه جـلادا
        فـلانه أم قـرقداً عنـف الـوسادة
        أمـانة يا جـماعة وفـي الشـهادة
        منو الغير زولي حاق مسـداري هادا؟




        لِن أغيّــر مَــن نفسـِـي
        لأجٍـل أي شخـِص
        ولـن أعبِــث بشخِصيتـي لآرضّي الاخريـِن
        أنَ لِـم تعِجبـك شخصيتـي!!
        ليِست مشكّلتــي فغـِــيرك يعشقهــَــا..

        تعليق

        • ضى القمر
          :: الاشراف والتنظيم ::

          • Jun 2010
          • 4263

          #5
          شعراء المسادير.. و..البيئة * 4 *

          الحلقة الثالثة:

          (8)

          د.سيد حامد حريز في كتابه (فن المسدار) كان أكثر دقة وإقناعاً وقبولاً في عرضه للمسادير التي كانت ضمن كتابه (متعدد الفوائد) في مجال الترتيب (الطوبغرافي) للمعالم والبيئة والأعراف والتقاليد وطقوس البادية وأسماء الأماكن وهذا القول لا يقلل من شأن الجهد و المعرفة و الصبر الذي بذل في الإصدارات الأخري من هنا كان الإعتماد علي ما كَتبْ د. حريز في تناول نماذج المسادير .

          (والمسدار وجمعه مسادير) يمثل نوعاً معيناً من القصائد الشعبية التي تسير علي نمط الرجز الرباعي كما أشرنا لقول د.حريز وتعني بسرد ومتابعة رحلة الشاعر إلي ديار المحبوبة وقد تكون الرحلة واقعية كما في (مسدار قوز رجب) للشاعر الصادق محمد الحلال المتوجه إلي (اللتيبة) القصبة المخضرة النابتة مكان إندلاق الماء الذي يتدفق من الساقية وهي إشارة للمحبوبة .

          سروبات قوز دربش جاهن جريدو مشور
          اتـعقـل بـلا العقبـة الرويـنة مـدور
          (لتيبة) المـدلق التـوريقو نالـو مـدور
          أمسي جراحو مـن لمعي البروق متـعور

          ينبهنا د. جريز لذلك الترابط بين كلمة مسدار بمعني قصيدة تحكي رحلة وتعني (مرعي ومورد) فالشاعر و المحبوبة و الجمل والبيئة وحدة نفسية متداخلة يحاول الشاعر ربط وتوثيق عناصرها نلمح ذلك في ما قاله الشاعر أحمد عوض الكريم أبو سن في (مسدار الصباغ)

          عاشقي ...الحافظ سري ، لي الضمير مو فاجع
          شـار لـي علـي الفراش ، عاقبني حالاً راجع
          قـال لـي زولو... دليـهـو النعـام النـاجـع
          مـيز خـتة الســرج البـغـاني السـاجــع

          الجمل (النعام) يجد قدراً من الاهتمام و العناية من قبل المحبوبة فتوجه وتأمر من يقوم بخدمتها بأن يعني بأمر الجمل بأن يضع السرج (المخلوفة) في مكان مميز هذا السرج الذي يشبهه الشاعر عندما يجري الجمل فيحدث صوتاً كغناء (القمري) الساجع .

          (وفي كثر من الأحيان لا تحتاج جمال شعراء المسادير إلي التذكير بما ستجد من عناية عند ديار المحبوبة فهي لا تحتاج إلي حث أو تحريك إذ أنها تتحرك بإيعاز داخلي فديار المحبوبة عبارة عن
          المرعي والمورد والمرتع بالنسبة لها).

          ويقدم لنا د.حريز نموذجاً لمبالغة شعراء المسادير في مدي حرص الإبل علي الإسراع نحو ديار المحبوبة وبهجتها عند الإقتراب من تلك الديار فكأنها تبشر بعضها البعض بالوصول وبما ستجد من نعيم وأختار لنا د. حريز رباعية من مسدار سيتيت للشاعر عبد الله أبو سن الذي يقول :

          بشوف قضروف سـعد حلولو بانن
          (زملنا اتباشرن بي التيه وغـارن)
          زويلـاً في الضـلام عينيهو نـارن
          علـي خـرت العـلوف أماتو شارن

          وتحتل طقوس الاستقبال ووصفها حيزاً في المسدار من استقبال وما حظي به الشاعر من سؤال عن حاله وعن الرحلة وعن الجمل أن لا يكون السفر عليه مرهقاً ويصف لنا الشاعر عبد الله أبو سن الشوق والرعب والرهبة لحظة وصوله لديار المحبوبة وكيف كان ذلك الاستقبال الجماعي وتزاحم أهل الفريق عليه وكيف كان يشرئب (يهوقي) ويشبه جمله (بالسلوقي) فصيلة من كلاب الصيد الممتازة والنادرة . فيقول:

          مـشيت وجيت دلـو السـلـوقي
          يجوني الناس يعـجو يقيفو فـوقي
          شـاكي الغلبة لا كين جـد شـوقي
          متـل جمل العلوق كل حين أهـوقي

          ويقدم لنا د.حريز (مسدار رفاعة) للشاعر أحمد عوض الكريم أبو سن كنموذج للمسدار (المساحي) الذي يرسم خريطة الرحلة ويبين معالم الطريق بالترتيب (الطوبغرافي) لهذه المعالم .

          يقول د. حريز (ما أود أن أخلص إليه أن هذه الخاصية من خواص المسدار تضع بين الدارس معلومات جغرافية متكاملة عن البيئة التي تدور فيها حوادث المسدار . فالمسدار الذي يصف الرحلة يعطي مسحاً جغرافياً يتناول أسماء الأماكن ومواقع التلال والوديان وطبيعة الأرض ...الخ وبالنسبة لدراسة أسماء الأماكن بصفة خاصة يمكن أن نستفيد من هذا النوع من المسادير إفادة قصوي) .

          فمسدار رفاعة الذي يبدأ من رفاعة وينتهي في ريرة سجل حوالي(23) أسماً بينها أسماء القرى والحفائر و الوديان والجبال مرتبة ترتيباً طوبغرافياً علي النحو التالي :-
          (رفاعة ، حلة السرف ، حلة بدين،حفيرات السنط ، حلة ود موسى ، أمات رقاريق،وادي أب تبوب
          ،حفير أم عود ، دبة أسد ، وادي الحريحير إلي جبل حردوب) ... الخ.

          وهذا ما وجدناه في مسدار الصيد تتبع رحلة الصيد من أعالي نهر الرهد إلي منطقة سهل البطانة و مازالت أسماء الأماكن التي مر بها الصيد موجودة ومعروفة مثل جبل قرين وبيه وبلوس وجبل بيلا وأمات رميلة وحقو السرول الذي يقع في أقصي البطانة ومشهور بحسن مرعاه وطيبه للبهائم .
          يقول الحاردلو في مسدار الصيد مشيراً وذاكراً (حقو السروال)

          مطـامنات هنـاك لامن نهـاران زال
          وشـرفن كلـهن شمن دعـاش اتعال
          ما بيات البلد دايرات (حقو السـروال)
          وصفاً متـع الغنـاي قـدر ما قـال

          (9)

          يقول الراحل عبد الهادي الصديق في كتابه (أصول الشعر السوداني ص39) (تشابه التجربة الإنسانية المستمدة من حياة متشابهة أنتجت أخيلة متشابهة فالتشبيهات التي ترد في المسادير لها ما يماثلها لدي العديد من القبائل الرعوية في الغرب أو الشرق داخل السودان أو خارجه فالحس الشعبي متشابه ويستمد مادته من بيئة تكاد تكون متشابه نلمح ذلك علي سبيل المثال في تشبيه المرأة في شعر (البيشاني و الجرادق والهداي) عند قبائل البقارة جنوبي دار فور و كردفان حيث تُشبه المرأة بالغزالة وبالجدعة وبالمهرة ).

          نجد تشبيه المرأة في المسادير أيضاً بـ (بريب الأرايل الحص) وبريبة هي الظبية الصغيرة والأرايل الحص نوع من الصيد قليل الصوف يقول عبد الله ود أبو سن في مسدار سيتيت (طريت بريبة الوادي أب عساين ) و العسين هو العشب المخضر.

          كما شُبهت المرأة بالقصبة المخضرة اللينة في مرحلة من مراحل نمو الزرع والتي تسقيها السواقي التي يجرها ثور الساقية (اللدوب) (فوسيب السواقي البي اللدوب شربان)
          أما تشبيه المرأة بالمهرة فشائع ومتكرر ويقول عبد الله أبو سن (جنيبة البي الغروب مردانو حايمة) و الجنيبة هي المهرة النادرة التي يضرب عليها (المردان) الحرس العناية خاصة و في مسدار القضارف يقول أحمد عوض الكريم (جنيبة دنقلا الهضليما ساتر لوحا) ويقال أن دنقلا إشتهرت بجودة خيولها وجنيبة الشاعر تتميز بأن هضليمها (شعرها) يغطي ظهرها لطوله وغزارته .
          كما وصفها الشاعر أحمد عوض الكريم أبو سن (بالحاكم) الذي يصدر الأحكام (الحاكمنا جوّر من غير سؤال وجَنيّه) وشبهها بالقائد (عند القائد الصفت جنودة محاربه تلقي التاج بيلصّف و النواشين ضاربه).

          خاتمة :-
          مازال المسدار ينحصر في رقع ضيقة في السودان تمثل فيه منطقة البطانة مركز الثقل . بالرغم من أن الأنماط التي تحاول إتباع نمط هذا المسدار في بعض من المناطق النيلية وغرب السودان لا تمثل انتشاراً أو امتداداً للمسدار في منطقة البطانة . هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإن المسدار ظل متداولاً في منطقة البطانة عن طريق (الشيل) الحفظ وظل محصوراً بين قبائل البطانة ولم يحتل مركزاً متقدماً أو غالباً من التعدد الثقافي لولاية القضارف ، فلقد فرضت الطبيعة الاقتصادية الرعوية علي إنسانها الإقامة في البادية و بالتالي أفسح أدب الدوبيت عامة والمسادير بصفة خاصة المجال واسعاً في المدن والمدن الريفية لثقافات إنتغلت أفقياً ورأسياً من مختلف بقاع السودان . ولو قُدّر لهذا الفن البدوي أن يشكل ملمحاً ثقافياً جهيراً بين التعدد الثقافي في منطقة القضارف أولاً لضمن قدراً من التمازج والإنتشار السلس الذي يوفر له إمكانية إنتشاراً أوسع علي المستويين المحلي والقومي .
          ولكن كيف يحدث ذلك ؟ الإجابة علي هذا السؤال بكل (تجرد) و(حياد) تحقق الحد الأدنى من أمكانية انتشار هذا الفن العامر والمهدد بالانقراض




          لِن أغيّــر مَــن نفسـِـي
          لأجٍـل أي شخـِص
          ولـن أعبِــث بشخِصيتـي لآرضّي الاخريـِن
          أنَ لِـم تعِجبـك شخصيتـي!!
          ليِست مشكّلتــي فغـِــيرك يعشقهــَــا..

          تعليق

          يعمل...