محمد أحمد المحجوب «الفردوس المفقود»

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محمد أحمد المحجوب «الفردوس المفقود»

    الفردوس المفقود «في رثاء الأندلس»


    نزلتُ شَطكِ، بعدَ البينِ ولهانا‎
    فذقتُ فيكِ من التبريحِ‎ ‎ألوانا‎

    وسِرتُ فيكِ، غريباً ضلَّ سامرُه
    داراً وشوْقاً وأحباباً وإخوانا‎

    فلا اللسانُ لسانُ العُرْب نَعْرِفُه
    ولا الزمانُ كما كنّا وما كانا‎

    ولا الخمائلُ تُشْجينا بلابِلُها
    ولا النخيلُ، سقاهُ الطَّلُّ، يلقانا‎

    ولا المساجدُ يسعى في مآذِنِها
    مع العشيّاتِ صوتُ اللهِ رَيّانا‎

    ‎****

    كم فارسٍ فيكِ أوْفى المجدَ شرعتَه
    وأوردَ الخيلَ ودياناً‎ ‎وشطآنا‎

    وشاد للعُرْبِ أمجاداً مؤثّلةً
    دانتْ لسطوتِهِ الدنيا وما دَانا‎

    وهَلْهلَ الشعرَ، زفزافاً مقَاطِعُه
    وفجّرَ الروضَ: أطيافاً وألحانا‎

    يسعى إلى اللهِ في محرابِهِ وَرِعاً
    وللجمالِ يَمدُّ الروحَ قُربانا‎

    لمَ يَبقَ منكِ: سوى ذكرى تُؤرّقُنا
    وغيرُ دارِ هوىً أصْغتْ لنجوانا‎

    ‎****

    أكادُ أسمعُ فيها همسَ واجفةٍ
    من الرقيبِ، تَمنّى طيبَ‎ ‎لُقيانا‎

    اللهُ أكبرُ هذا الحسنُ أعرِفُه
    ريّانَ يضحكُ أعطافاً وأجفانا‎

    أثار فِيَّ شُجوناً، كنتُ أكتمُها
    عَفّاً وأذكرُ وادي النيل هَيْمانا‎

    فللعيونِ جمالٌ سِحرُهُ قدَرٌ
    وللقدودِ إباءٌ يفضحُ البانا‎

    فتلك دَعْدٌ، سوادُ الشَعْرِ كلَّلها
    أختي: لقيتُكِ بَعْدَ الهجرِ أزْمانا‎

    أختي لقيتُكِ، لكنْ أيْنَ سامُرنا
    في السالفاتِ ؟ فهذا البعدُ‎ ‎أشقانا‎

    أختي لقيتُ: ولكنْ ليس تَعْرِفُني
    فقد تباعدَ، بعد القُربِ حيَّانا‎

    طُفنا بقرطبةَ الفيحاءَ نَسْألها
    عن الجدودِ.. وعن آثارِ مَرْوانا‎

    عن‎ ‎المساجد، قد طالت منائرُها
    تُعانق السُحبَ تسبيحاً وعرفانا‎

    وعن ملاعبَ‎ ‎كانتْ للهوى قُدُساً
    وعن مسارحِ حُسنٍ كُنَّ بسْتانا‎

    وعن حبيبٍ، يزِينُ‎ ‎التاجَ مِفْرقُه
    والعِقدُ جال على النّهدين ظمآنا‎

    أبو الوليد تَغَنّى في‎ ‎مرابِعِها
    وأجَّجَ الشَوقَ: نيراناً وأشْجانا‎

    لم يُنْسِه السجنُ أعطافاً‎ ‎مُرنَّحةً
    ولا حبيباً بخمرِ الدَّلِّ نَشْوانا‎

    فما تَغرّبَ، إلاّ عن‎ ‎ديارهم
    والقلبُ ظلَّ بذاك الحبِّ ولهانا‎

    فكم تَذكّرَ أيّامَ الهوى شَرِقاً
    وكم تَذكّرَ: أعطافاً وأردانا‎

    ‎ قد هاجَ منه هوى ولادةٍ‎ ‎شَجَناً
    بَرْحاً وشوْقاً، وتغريداً وتَحْنانا‎

    فأسْمَعَ الكونَ شِعْراً‎ ‎بالهوى عَطِراً
    ولقّنَ الطيرَ شكواه فأشجانا‎

    وعاشَ للحُسنِ يرعى الحسنَ في‎ ‎وَلَهٍ
    وعاش للمجدِ يبني المجدَ ألوانا‎

    تلكَ السماواتُ كُنّاها نُجمّلُها
    بالحُبِّ حيناً وبالعلياء أحيانا‎

    فرْدَوسُ مجدٍ أضاعَ الخَلْفُ رَوْعَتَه
    من بعدِ ما كانَ للإسلامِ عنوانا‎

    ‎****

    أبا الوليدِ أعِنِّي ضاعَ‎ ‎تالدُنا
    وقد تَناوحَ أحجاراً وجُدرانا‎

    هذي فلسطينُ كادتْ، والوغى دولٌ
    تكونُ أندلساً أخرى وأحزانا‎

    كنّا سُراةً تُخيف الكونَ وحدتُنا
    واليومَ‎ ‎صرْنا لأهلِ الشركِ عُبدانا‎

    نغدو على الذلِّ، أحزاباً مُفرَّقةً
    ونحن كنّا‎ ‎لحزب اللهِ فرسانا‎

    رماحُنا في جبين الشمسِ مُشرَعةٌ
    والأرضُ كانت لخيلِ‎ ‎العُرب ميدانا‎

    أبا الوليدِ، عَقَدْنا العزمَ أنّ لنا
    في‎ ‎غَمرةِ الثأرِ ميعاداً وبرهانا‎

    الجرحُ وحّدَنا، والثأرُ جَمّعنا
    للنصر فيه‎ ‎إراداتٍ ووجدانا‎

    لهفي على «القدسِ» في البأساء داميةً
    نفديكِ يا قدسُ‎ ‎أرواحاً وأبدانا‎

    سنجعل الأرضَ بركاناً نُفجّره
    في وجه باغٍ يراه اللهُ‎ ‎شيطانا‎

    ويُنتسى العارُ في رأد الضحى فَنَرى
    أنَّ العروبةَ تبني مجدَها‎ ‎الآنا
يعمل...
X