إبراهيم العبادي «نشأته ومسيرته الشعرية مع شعراء جيله وأشهر رمياته»

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إبراهيم العبادي «نشأته ومسيرته الشعرية مع شعراء جيله وأشهر رمياته»


    ابراهيم احمد بابكر (العبادى)

    ولد ابراهيم احمد بابكر العبادى بمدينة امدرمان في حوالى عام 1894
    فى منزل والده فى حى العبابدة (امام مستشفى امدرمان) و هو من
    قبيلة العبابدة المشهورة بام درمان و التي نزحت إليها من بربر و مصر.
    قضى طفولته الباكرة بها و قرأ بخلوة الطاهر الشبلى ثم دخل المدرسة
    الاولية (و كانت تسمى الكتاب) بام درمان بتوجيه من سلاطين باشا
    بسبب عدم تشجيع اهله لدخول المدارس آنذاك. ثم دخل مدرسة
    امدرمان الوسطى و ما أن تم السنة الثانية حتى اخرجه والده بحجة
    أن ما حصل عليه من تعليم كان كافيا و ليعمل معه في زريبة
    المواشى بامدرمان.
    لم يمانع والده في أن يرسله إلى خلوة الشيخ محمد البدوى فحفظ
    قدرا لاباس به من القآن وتلقى مبادى الفقه الاسلامى مما كان له
    اثره الواضح في انتاجه الشعرى الباكر. عمل بعد ذلك كاتبا تجاريا
    بعد أن تعلم الصنعة من صديق له من الشوام.

    كان ابراهيم مفطورا على حب الغناء منذ نشاته ساعده في ذلك انه
    ترعرع في وسط شاعرى فقد كانت عمته شاعرة ممتازة لها صولات
    وجولات فى نظم الشعر على وزن الدوبيت و كان يسمى آنذاك
    "سيمارة" كما كان والده يقرض الشعر .

    يقول العبادى؛ انه بدا نظم الشعر و هو لو يتجاوز الحادية عشر
    من عمره و يرى ان موهبته تفجرت فى يوم ختانه و ذلك لان
    المهنئين كانوا يزجون المختون شعرا فاعتبر نفسه ملزما بان يرد
    عليهم شعرا ايضا و بدا سيل التهانى له بقصيدة لعمته فى مدح
    اخيها احمد العبادى (والد الشاعر) ثم تقدم حاج ابو عيسى و انشد:

    قلبك بولاد من حديد
    و فرقك من الفرسان بعيد
    شوفة الدغم عندية عيد
    العقبى لى عرسك الجديد

    فرد الصبى ابراهيم مشيرا الى حفلة زواج فى الحى
    لم يتمكن من حضورها بسبب ختانه:
    اصبح لى صباح و اصبحت انا مرضان
    و ما شفت الدهيم البلعب الهويان
    ما جيب لى خباره البى الخمر رويان
    و متاسف كتير ما حضر عرس عثمان

    بدا نضوج شاعرنا و نظمه للشعر الغنائى في عام 1914 و عرض اول
    انتاجه على يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) و الذي كان
    بمثابة النابغة الذبيانى في سوق عكاظ فاثنى عليه يوسف و كان اول
    انتاجه يسير على نهج الدوباى كما كان سائدا في ذلك الوقت و من
    ذلك ما خاطب به يوسف حسب الله عند ظهور اللص المشهور
    (اللبخ-(1)) او (اللنج-(2)) بامدرمان و ما احدثه من رعب في قلوب
    الغانيات:-
    يوسف قليبن في الكجر ما اطامن
    يشكن من لصياوص الحلة قط (ليل) ما نامن
    ساكت من زوالن و العيون أن قامن
    زى سرب الظبا الأنضم و قل شامن

    و يقول عن تجربته مع شعراء جيله:
    كان لهم مجلس اسمه "شعراء الدوبيت" و ما كانو يسمحوا لاحد
    بالانضمام الا بعد اختبار فيتشئ احدهم فى موضوع بعينه فيرد عليه
    الآخرون ملتزمين بالقافية نفسها و كانوا يقولون على الرد "تغطية"
    فيقولون "غط هذا الكلام". وكان قائد الشعراء هو يوسف حسب الله
    و يجلس الى يمينه محمد على عثمان بدرى و عمر محمد على
    و احمد محمد صالح المطبعجى و جقود ابو عثمان و معهم ايضا
    الشاعر عوض السيد بابكر و الشاعر عمر محمد على و غيرهم.
    و لما انتهى الدوبيت و حصل الانقلاب لصالح الرقيص (يقصد الشعر
    الغنائى) لم تنسجم المسالة الجديدة مع ذوقهم فاستمروا بطريقتهم
    القديمة لكن انا و ود الرضى و خليل فرح و العمرابى سلكنا الطريق
    الجديد.

    و في عام 1917 بعد تجربته الذاتية في الحب دخل مضمار العاطفة
    و على نهج الدوباى أيضا:

    اقتبس البدر من آمنة نوره و دارتــــه
    و الخز و الذهب عار من جسيمها نضارته

    و

    فرع الياسمين من النسيـــم يتنى
    سالكه مضمرة و التنه فوق التنه

    و كان يجارى اغانى المطرب ود الفكى من منطقة كبوشية بالسافل
    على نسق الرميات باسلوب أكثر حضارة و منها:-

    ست البيت الصلاح ** نور شلاخها لاح

    قبل العشرينات بدا يتجه إلى الاغنية المتطورة و كان موحى ذلك
    بيوت الاعراس فقد قال في حفل زواج صديقه بشير الشيخ:-

    حفلة بشير ما اعجبها ** لسرورنا اسفر حاجبها

    و في حفل صديق له يدعى خضر :-

    جيبوا لى قلبى الـــــــودر
    يا اخوانا في حفلة خــــدر

    و في حفلة ثالثة لصديق اسمه شبخ ريا:-

    شيخ ريا حسبك من فخر ** ليك البدور طاعت تخــــر
    اذكر ليالى العاصمــــــة ** المن سوء إلهك عاصمـــة
    هي جنة شرطا عاصى ما ** يمسك بنان في معاصمه

    و في عام 1928 نزح العبادى إلى الجزبرة فقضى بها ردحا من الزمن
    و منها إلى غرب السودان حتى بداية الاربعينات فقفل راجعا إلى
    مرتع صباه. و قد تزوج العبادى متاخرا قليلا و له ذرية من البنات
    و الاولاد و منزله في المهدية امدرمان.

    يعتبر العبادى هو اول من انتقل بالشعر الغنائى من الطنبور إلى اغانى
    الرق فاستحدث بذلك حدثا جديدا في تطور الاغنية السودانية و كانت
    اول اغنية له في هذا الصدد (يبكى و بنوح و يصيح لى الشوفتن بتريح)


    مع الرميات و الدوباى
    كما اسلفنا كان العبادى في بداياته يجارى فنان كبوشية ود الفكى
    فى رمياته بدوبيت متطور: -

    ومن تلك الرميات لود الفكى:

    ببكى و بنوح انا دمعى جارى *** محجور من الارايل

    فجاراها العبادى:
    ببكى و بنوح انا دمعى جارى *** مكتول هالــــكنى جــارى
    صدرك رمى البـــــــــــدارى *** و اعلن منشـــــور ادارى
    و صرح طالـــــــــب ودارى *** و قال فاك و حية خـدارى
    اكتل و في الرشـــــــم ادارى *** و على الشـــــلاخ مدارى
    يا الساكن غــــــــــرب دارى *** كاتــــــلنى و مـــاك دارى

    و يتضح اضافة الشاعر الجديد للجناس إلى الرميات و أن لم يخلو
    من السذاجة خاصة في البيت الثانى

    فرد عليه ود الفكى و جاراه:

    يا ناوى الرحول لبلودها *** نارها الفى الضمير مـــــوقودة
    هب النسيم لى من بلودها *** جاب لى طيب تومتى الفروده
    كالشمعدان منصوب عودهــــــا

    فقال العبادى

    هاك يا سرور وصف البداية *** زى البـــدور اول بــــــــداية
    عينيها حور كايدات عـــدايا *** و ستة السطور في الخد نداية
    و الرشمة فور جلبت ردايا *** تتجلى نــــور زى الــــــــهداية
    فاقت الحضور ثم البــــداية *** زى ناس بـدور جاريات هدايا
    عمرى و جميع ملكت يدايا *** بى كل سرور لام خـــــد فداية

    و يتضح الفرق بين سطحية الاهزوجة السافلية و بين التطور الذي احدثه
    شاعرنا.

    و قال ود الفكى أيضا:
    القيدة في غالق *** يشقينى الحكمه الخالق

    فقال العبادى:
    السامية في جيـــــــلها *** كريم لمتين اناجى لــــها
    هاك خلى تبـــــــجيلها *** اديبة و راسية في جيلها
    سعيد اليوم يناجى لها *** تدير له ظروف فناجـيلها


    من اشهر الرميات اغنية العبادى:
    التايــــــه دلال ماخــــــابر *** كم قلبا مـــــــعذب و صــــابر
    وقفت شئ عجيب في الدار *** و اســــــفرت اللثام عن داره
    تتخنتل دلال و قــــــــــداره *** سهم الحاظها ما بتـــــــدارى
    انقسمت مشت طــــــــالبانا *** تـــــتمايل و تقـــول البـــــانة
    نديان خـــــــدها لطـــــربانة *** زى الزهرة في ابـــــــــــانة
    جات تتمايل العرجـــــــــونة *** البى هوى النفوس معـجونة
    قول لى اهلنا ما ترجونـــــــا *** ما بضوق السراح مسجونه
    آه من طلعتها البـــــــــــــهية *** و اعضاها اللطيفة طــــرية
    فاهه من الفظاظــــــــة برية *** يتـــــــــــلالا كأنــــــــه ثريا


    ومن اروع ما قاله العبادى انذاك هذه الرمية التي كان يؤديها سرور
    و كرومة و الامين برهان:

    الجرحة نوسربى غور في الضمير
    في قلبى خـــــــــلف الكـــــــــــــى
    يا ناس الله لى
    كان ما الشئ قسم و انا عقلى مداير
    ليش عاشق المدلل بيه شن دايـــــر
    يمشى الكى قبل و ينسف الدايــــــر
    و الديس الغزير لى قامته يضــــاير
    و المحى المتل قمر العشا الدايــــــر
    يتب في عجن و يقول لى شن دايــر
    رحماك يا العشوق طاش الفكر حاير
    يا ناس الله لى

    و فى احدى المناسبات بمنزل سر الختم جبريل و كان يزين احدى
    جدران ديوان ديوانه بصورة حسناء فاتنة قام بتصويرها المصور
    الارمنى المعروف آنذاك (أرام) فطلب من الشعراء الموجودين معه
    فى الديوان عثمان بدرى و يوسف حسب الله و العبادى و الخليل
    و كان صديقا لهم من كل واحد منهم بيتين فى وصف جمالها و قد رصد
    لهم جائزتين للاول و الثانى، الاول ينال كتاب الاغانى للاصفهانى
    و الثانى ساعة جيب فاخرة:

    قال بدرى:
    احسن من ظبى فى حسنها وفى نورها
    ابهى من البدر و صفاها كالبنورة
    فى جيلنا بتفوق ام سرتى و تنـــورة
    نجلاء العيون القتنا فى تنــورة

    و قال حسب الله:
    سيمات الجمال فى صورتها محصـورة
    رقتها فى النظر و اناملها و خصره
    ابهى من الحوارى الفى الخيام محصورة
    عجبا شوف عشقنا جمالها هذى الصورة

    و قال الخليل:
    يا ريم الفلا الدنيا مافى مثالك
    لى عدم الانيس و الوحشة قلبى رثى لك
    حباك الفؤاد لكنـــــه مابش لك
    عجبا شوف عشق كل الانــــام تمثالك

    و قال العبادى:
    شوف ريمه (آرام) كيف جالسه فى التصويره
    محيها كالبدر فى نوره و التدويره
    انظر لى عيونها و دعجتها و تحويره
    من كثر الدلال تنشاف عويــــره عويـــره

    وبعد الانتهاء شكل سر الختم لجنة نصوص للحكم تكونت من الاستاذة
    بشير الفضل و مصطفى التنى و عثمان ابراهيم فكانت الجائزة الاولى
    من نصيب العبادى و الثانية من نصيب استاذه يوسف حسب الله.


    مع ود الرضى:
    يعتبر ود الرضى نفسه تلميذا للعبادى رغم ان العبادى يصغره بعدة اعوام
    و عندما جاء ود الرضى الى العاصمة جاء كخامة شعرية و يحمل معه
    اصالته و سذاجته و تعلقه بالغناء الشعبى و لم تفارقه سمته القروية
    فى البداية وحينما اتصل بالعبادى لانه كان من المعجبين به ابدى
    العبادى استعداده لصقل الشاعر القروى.

    يقول العبادى عن ود الرضى؛ " كنت احبه و اعيش اشعاره و كثيرا ما
    حاولت تشطير اشعاره و يعترف كل منا بتاثيره على الآخر و هو يكبرن
    ى بعشر سنوات لكنى دخلت قبله فى شعراء الدوبيت لانهم قبلونى
    شاعرا فى 1914 و كان شعره بدويا حين جاء الى العاصمة و إن كانت
    معانيه سامية، لكنه اصبح حضريا مثلنا."
    و لقد قام العبادى بتشطير قصيدة "متى مزالاى اوفى نذارى"
    و غنى الاغنية المشطرة سرور.


    مع ابو صلاح:
    كانا فى عمر واحد تقريبا و عاشا فى بيئة متقاربة و حظيا تقريبا بنفس
    التعليم فلا غرو ان قامت بينهما اقوى المنافسات و المنازعات و كان
    ابو صلاح اسبق من العبادى فى نظم الرميات و الدوباى و فى
    الاحتكام لشعرائهما و الذين شهدوا له بالسبق فى ذلك و لكن
    العبادى برز فى فترة الطنبور.
    و كان كل منهما يحاول ان يشل من حركة الآخر و يقلل من شأنه
    و ليس ادل من ذلك من تطويق العبادى لسرور كما كان كل منهما
    يصف الآخر بالصنعة و التكلف رغم شاعريتهما المطبوعة.

    و اشار العبادى انه زار ابو صلاح فى منزله بالخرطوم بحرى برفقة صديقه
    المطبعجى و بمبادرة منه فى 1916.
    و ذكر ان ابو صلاح انشدهم قصيدة دوبيت انشأها حديثا يصور فيها امراة
    شعرها طويل جدا ، و كانت الساعات تعلق آنذاك على الرقاب و تستخدم
    فى تعليقها اداة تسمى "كتينة" و هى خيط قيطان اسود .

    و مما جاء فى قصيدة ابو صلاح ما معناه "انت شعرك طويل ادينى منه
    كتينة" فقال العبادى قلت له " يا صالح يومك العشقتها طوالى عايز تمّعطها".
    و العبادى هو الوحيد الذى اخذ بنهج ابو صلاح فى نظم القصائد و اهدائها
    الى الطنابرة ليؤدوها من 1927 حتى 1919 و أّلف فى تلك الفترة:-

    نورها الضاوى خافى فداها
    تايهة المايحة روحى فداها

    و منها ايضا اغنية كان يخاطب بها الشيخ على عبد الرحمن السياسى المعروف
    يا مفتينا كيف افتينا
    قول للتينة جننتينا

    غير ان ابو صلاح لم ينضم للسلك الشعرى الغنائى الجديد الذى اسسه
    العبادى الا بحلول عام 1924 مبتدئا بقصيدة مطلعها :-
    ليلة القدر نصحبها
    الف سهلا و مرحبا

    و هى مجاراة لقصيدة العبادى التى يقول فيها:-
    نظرة يا ظبية السلام
    تبقى من هجرك سلام
    دمت يا روضة الزهور
    تجرى فى خدودك النهور
    تبقى زى سالف الدهور
    خالية من ربقة المهور
    الغرام عامل احتلال
    رشفة من نيلك الزلال
    يعيش حاجبك الهلال

    من طرائف العبادى:
    في يوم وقفة عيد من الاعياد، كان العبادي وميرغني الخليفة وآخرون
    من مدينة ود مدني فتشوا عن حذاء للعبادي فلم يجدوا.. فقد كانت
    قدماه كبيرتين.ميرغني خليفة خريج الخلوة اراد ان يسخر من
    العبادي فقال:-
    - سوق مدني الكبير ما لقينا فيو نعلات
    - ابراهيم.. قال المعلم مات
    ما تفكر كتير
    ادرع الشبطان من جلداً قديم
    أوجز من العجلات (يعني تموت تخلي)
    قال العبادي لميرغني الخليفة
    - جاك يا ود الخليفة.
    يا ميرغني اخوي.. اخير لك تنقرع
    وبمشاريعي لا تحاول ترد
    بوديك اسوان في طرد
    ومعاك طارتك والقرد




    لِن أغيّــر مَــن نفسـِـي
    لأجٍـل أي شخـِص
    ولـن أعبِــث بشخِصيتـي لآرضّي الاخريـِن
    أنَ لِـم تعِجبـك شخصيتـي!!
    ليِست مشكّلتــي فغـِــيرك يعشقهــَــا..

يعمل...
X